روايات الحرب: فهم التكتيكات البلاغية في تغطية الإعلام العربي لانفجار المستشفى المعمداني في غزة
صوفي كلارك
يعد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من بين الصراعات الحديثة الأكثر إثارة للجدل والذي يتشكل الفهم العالمي له بشكل كبير من خلال الروايات المقدمة في وسائل الإعلام الرئيسية. وفي الشرق الأوسط، استخدمت مصادر الأخبار العربية والإسرائيلية مكانتها كوسيلة للضغط على الآراء العامة للناس أو للتأثير عليها. إن دراسة اللغة المستخدمة في مصادر وسائل الإعلام في الشرق الأوسط في تغطية الصراع العربي الإسرائيلي لا يعطي رؤى حاسمة حول الرأي العام ووجهات النظر الإقليمية حول الصراع فحسب، بل تكشف أيضًا عن قدرة وسائل الإعلام على التأثير بشكل كبير على مسار الاستجابات الإقليمية لأحداث الحرب. من خلال استكشاف وتحليل السرد عبر ثلاث شبكات إخبارية عربية بارزة في تغطيتها باللغة العربية لحدث معين – أيْ انفجار ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣ في المستشفى الأهلي (يسمّى أيضًا مستشفى المعداني) في قطاع غزة – يهدف هذا التحليل إلى تحديد الاستراتيجيات البلاغية تستخدمه وسائل الإعلام العربية لتشكيل الروايات المحيطة بأحداث الحرب.
الحادث
عد عشرة أيام من بدائية الحرب الحالية ضد حماس، في ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وقع انفجار في ساحة انتظار سيارات المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة حوالي الساعة السابعة مساءً بالتوقيت المحلي. ولم يتسبب الانفجار في أضرار جسمية للمباني المحيطة ولكنه أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. وفي حين لم يتم التحقق بشكل مستقل من عدد الأشخاص الذين قتلوا في الانفجار، فإن التقديرات الحالية تتراوح بين ١٠٠ إلى ٥٠٠ قتيل. ووقع الانفجار بعد وقت قصير من إطلاق عدد كبير من الصواريخ من مواقع فلسطينية على إسرائيل ووسط عدة أيام من الغارات الجوية العنيفة التي شنّتها القوات الإسرائيلية على القطاع. وفي أعقاب الغارة مباشرة، زعم قادة حماس أن الصاروخ إسرائيلي الأصل وزعمت القوات الإسرائيلية أن الغارة كانت صاروخًا طائشًا من صواريخ الجهاد الإسلامي في فلسطين – وهو ما نفتة كل من الجهاد الإسلامي وحماس. وعلى مدى الساعات والأيام التالية، ظهرت روايات جديدة تفصل الأحداث ولكنها تكرر ما حدث بالضبط غير واضح.
وبعد أسبوع من الغارة، صرح مسؤولون المخابرات الأمريكية أن لديهم "ثقة عالية" في أن الانفجار نتج عن انكسار صاروخ فلسطيني في منتصف الرحلة دون أي تدخل إسرائيلي، مستندين في تقييمهم إلى استخبارات الإشارات الإسرائيلية حول الجماعات الفلسطينية المسلحة ومقاطع فيديو متاحة للعامة للحظات التي سبقت الغارة وبعدها مباشرة. وخلص محللون الاستخبارات الأمريكية إلى أن الصاروخ أُطلق من غزة، وواجه "عطل كارثي في المحرك،" مع سقوط الرأس الحربي في ساحة انتظار السيارات بالمستشفى. وشدد المسؤولون على عدم وجود أدلة تظهر وجود سلاح إسرائيلي في موقع الانفجار، مما يدعم نظرية وجود خلل في صاروخ من غزة. وردت دول أخرى، بما في ذلك إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، احتمال أن يتسبب صاروخ فلسطيني في الانفجار، وحددت المسؤولية المحتملة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، حليفة حماس. وقد أنكرت حماس والجهاد الإسلامي هذه الادعاءات، ووصفتًا التقييمات بأنها "كاذبة ولا أساس لها من الصحة."
مشاكل للصحافة
شكل الانفجار الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي في غزة تحديًا كبيرًا لوكالات الاستخبارات والمحللين المستقلين. إن الوصول إلى المواقع في غزة محدود بالنسبة للصحفيين، كما منع المسؤولون في غزة التي تسيطر عليها حماس إجراء تفتيش مناسب لموقع الانفجار، مما أضاف تحديًا آخر للتحقق من الادعاءات. وقد حظي ادعاء حماس الأول بأن صاروخًا إسرائيليًا هو المسؤول عن الهجوم باهتمام وشعبية في الصحافة حول العالم، وكذلك لدى العديد من الحكومات في الشرق الأوسط. ومع ذلك، نشر المزيد من المعلومات يسبب إلى تغيير الروايات. بدأت وسائل الإعلام في الغرب في نقل روايات أكثر دقة للأحداث، مستشهدة باحتمالات مختلفة وادعاءات متنافسة، ولكن حتى بعد توفر المزيد من المعلومات التي تشير إلى فشل إطلاق صاروخ من داخل غزة، استمرت العديد من مصادر الإعلام العربي في نشر الرواية التي نشرها في البداية حماس.
ونظرًا لتاريخ العلاقة بين إسرائيل وفلسطين، فإن الروايات الموجودة في مصادر الأخبار العربية التي تغطي الأحداث المتعلقة بالصراع غالبًا ما تكون أكثر عاطفية ومشحونة وانحيازًا من التقارير المتعلقة بأحداث أخرى في المنطقة. وتماشيًا مع هذا النمط، تضمنت التقارير في وسائل الإعلام العربية حول الهجوم على المستشفى الأهلي استخدامًا استراتيجيًا للغة واختيار السرد الذي غالبًا ما يدعم أجندة دولة أو أيديولوجية معينة. سوف يحلل هذا المقال التقارير حول الحدث من ثلاث منافذ إخبارية كبيرة في العالم العربي: الجزيرة، والعربية، وفرانس24. وكل من هذه المصادر مملوكة للدولة، واثنان منها مملوكان لدول الشرق الأوسط. توصف فتاة الجزيرة بأنها ذات توجه يساري، بينما توصف فتاة العربية بأنها ذات توجه يميني. وتعتبر فتاة فرانس24 في الوسط بشكل عام دون أي تحيز سياسي كبير.
تغطية الانفجار
فرانس24
فرانس24، شبكة إخبارية دولية مملوكة للدولة الفرنسية، لديها أربع قنوات باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية. أسست الشبكة قناتها العربية في أبريل ٢٠٠٧ وانتقلت إلى البث باللغة العربية على مدار 24 ساعة في أكتوبر ٢٠١٠. تحظى القناة باستقبال جيد بشكل عام في العالم العربي، على الرغم من وجود بعض التوتر بسبب أصلها الغربي. حُللت أحد عشر مقالاً من فرانس24 تغطي انفجار مستشفى ١٧ أكتوبر لتحديد أنماط التشكيلات البلاغية والسردية. نُشرت القصص التي غطتها فرانس24 حول هذا الحدث خلال فترة أسبوع واحد بعد ١٧ أكتوبر، يوم الهجوم، إلى ٢٣ أكتوبر. وذُكرت الحادثة في مقالات لاحقة – مثل تلك التي تغطي الأحداث الكبرى في الحرب، نُشرت في ٢٥ نوفمبر – والتي حافظت على أنماط بلاغية مماثلة للمقالات السابقة.
مثل معظم وسائل الإعلام الغربية والشرقية، تابعت قناة فرانس24 الرواية القائلة بأن الضربة كانت إسرائيلية في أعقاب الهجوم مباشرة. ومع ذلك، حتى في هذه المناقشات المبكرة، ذكرت الوكالة أن الغارة "منسوبة" إلى إسرائيل ولم تزعم بشكل موضوعي أن الصاروخ إسرائيلي الأصل. وبحلول اليوم التالي للهجوم، بدأت قناة فرانس24 في مناقشة ادعاءات حماس والادعاءات الإسرائيلية حول الهجوم. وفي جميع المقالات تقريبًا، ذكرت الصحيفة أن إسرائيل والجماعات الفلسطينية كانت تتبادل الاتهامات بالمسؤولية، ولم تؤكد مطلقًا على وجهة نظر واحدة. وتضمنت المقالات التي نشرتها فرانس24 مناقشة نظريات واستنتاجات مختلفة، بما في ذلك تلك الخاصة بمجتمعات الدفاع والاستخبارات الأمريكية والأوروبية، وحكومات مختلف دول الشرق الأوسط، وعامة الناس في دول الشرق الأوسط وأوروبا. وفي المقال الأخير المنشور حول هذا الموضوع، ذكرت فرانس24 أن الأحداث لا تزال غير واضحة، مشيرة إلى أن الأدلة المؤكدة "ما زال الغموض يخيم عليها،" مما يترك المنظمة دون تقييم نهائي للأحداث.
بقيت المقالات التي ناقشت تحليلات الحدث موضوعية. ونسبت جميع الادعاءات إلى مصادر خارجية، تاركة مسؤولية التحليل للشخص الذي يقرأ المقال أو المصادر المذكورة. تم تضمين المصادر أيضًا مع خلفية الشخص أو المنظمة وتم دعمها بمعلومات أخرى عندما يكون ذلك ممكنًا. وفيما يتعلق بهذه القضية، يبدو أن قناة فرانس24 تقدم المعلومات ولكنها لا تنوي التأثير على الجمهور، ربما بسبب عدم مشاركتها في الصراع. عند مناقشة الأحداث في المقالات المبكرة، لم يستخدم المراسلون لغة عاطفية أو مشحونة، وحافظوا على صوت موضوعي نسبيًا مع تضمين تفاصيل كافية للتعبير عن حجم الحدث. وبالمثل، استهل المراسلون أي معلومات متحيزة واستنتاجات نهائية باستخدام عبارات مثل "في هذا السياق" أو "بحسب." كما وضع الكتاب أيضًا أي عبارات مؤثرة، مثل "كارثة إنسانية" أو "جريمة شنيعة،" داخل علامات الاقتباس. توضح هذه التكتيكات للجمهور أن المصدر لا يذكر أن هذه الأفكار صحيحة بل أن هذا هو الخطاب الحالي ومشهد المعلومات المحيط بالحدث. تسمح هذه الإستراتيجية للوسيلة بتقديم أكبر قدر ممكن من المعلومات من أكبر عدد ممكن من المصادر مع وقف إنشاء الروابط بين خطاب المجموعات والحكومات التي تناقشها وتنظيماتها. وهذا يسمح أيضًا لفرانس24 بالحفاظ على الموضوعية في تقاريرها عن الحدث.
العربية
العربية هي شبكة إخبارية عربية دولية مع مقرها في الرياض، تعمل تحت مجموعة MBC الإعلامية، وتمتلك حكومة المملكة العربية السعودية أغلبية أسهمها. عند تأسيسها في عام ٢٠٠٣، كانت الشبكة تهدف إلى توفير بديل "متوازن وأقل استفزازًا" لقناة الجزيرة، التي كانت قد حققت بالفعل نجاحًا واسع النطاق بحلول ذلك الوقت وأصبحت في النهاية منافسًا كبيرًا للشبكة. واجهت قناة العربية انتقادات بسبب توافقها الواضح مع السياسة الخارجية السعودية، حيث واجهت انتقادات واتهامات بالتحيز، خاصة خلال الأحداث المثيرة للجدل المرتبطة بالدولة. كما تم الاستشهاد بها لانتهاكها قوانين البث في الدول الغربية مثل بريطانيا وتعرضت للحظر والعقوبات الأخرى، بما في ذلك الحظر والتعليق المتعدد من قبل الحكومة العراقية. حُللت تسع مقالات من قناة العربية حول انفجار ١٧ أكتوبر من أجل هذا التحليل.
في البداية، نشرت قناة العربية مقالات في أعقاب رواية أن الانفجار كان نتيجة صاروخ إسرائيلي. ولم تشترط التقارير المبكرة أن "تُنسب" الغارة إلى إسرائيل، بل ذكرت بشكل موضوعي أنها كانت غارة إسرائيلية. وبحلول اليوم الثاني، بدأت قناة العربية نقل الروايتين. ومع ذلك، فإن إدراج معلومات إضافية عن تصرفات إسرائيل، واستبعاد معلومات إضافية عن تصرفات حماس، يعكس انحيازًا لوجهة نظر واحدة. وهذا يمكن أن يؤثر على القراء لتبني رواية واحدة على أخرى. وقد ظهر ذلك في مقال يناقش الاستنتاجات المستقلة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية الكندية. وفي المقال، أعقب ادعاء الحكومة الكندية، بأن الانفجار نتج عن صاروخ من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ادعاءان آخرين يتعارضان مع النتائج التي توصلت إليها الحكومة الكندية. واختتم المقال ببيان أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية ذكرت أنها لم تكن تنفذ عمليات في غزة في ذلك الوقت، ولم تبذل أي جهد للرد على ادعاءات الحركة.
بالإضافة إلى ذلك، استشهد مقال آخر، الذي ناقش الأدلة التي استخدمتها الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى استنتاج أن الغارة انطلقت من غزة وأن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين شنتها، بجميع الروايات التي قدمها المسؤولون الإسرائيليون على أنها من مسؤولين إسرائيليين، ولكن رواية الجهاد الإسلامي لم تُستشهد بأي شكل من الأشكال، مما يشير إلى أن المعلومات من الجهاد الإسلامي هي الأكثر موثوقية. كما نشرت "العربية" مقالاً تناول ادعاء حماس بأن "الصاروخ ذاب مثل الملح في الماء." يبدو هذا المقال مثيرًا للسخرية، ولكن بعد عرض ادعاء حماس، بدلاً من مناقشة هذه الفكرة، يشير الكاتب إلى اختلافات صغيرة جدًا في الروايات التي تقدمها مختلف الفروع أو المسؤولين من الجيش الإسرائيلي، سعيًا على ما يبدو إلى تشويه الرواية. في المقابل، لا يظهر المقال محاولة لتشويه ادعاء حماس بأن الصاروخ تبخر. يؤثر هذا اختيار المعلومات، على الرغم من أنه ليس كاذبًا بشكل واضح، على موقف القراء في قبول رواية على أخرى.
تستخدم تقارير العربية بلاغةً عاطفيةً واختيارًا سرديًا استراتيجيًا أكثر من فرانس24. هناك عدد قليل من الحالات التي تكون فيها اللغة نفسها مؤثرة، مثل وصف المشهد بأنه "يدمي القلوب وتقشعر له الأبدان" ويدعي أن "تناثر الزجاج وأشلاء الجثث في المنطقة،" وكلها قد تكون وصفًا "صحيحًا" للمشهد ولكن تغير صوت الكتابة رغم ذلك. كما عكست تقارير أخرى درجة من التحيز، مثل استخدام كلمة “استهداف” لوصف الانفجار، مما يشير إلى الاعتقاد بأن الانفجار كان متعمدًا وليس عرضيًا، أو الادعاء بأن مشاركة إسرائيل في خلاصتها مع أمريكا هي "محاولة لتبرئة نفسها،" مما يشير إلى أن إسرائيل هي الطرف المذنب. ومع ذلك، مثل فرانس24، تضع قناة العربية لغة مؤثرة، مثل كلمة "مجزرة،" بين علامتي اقتباس، مما يمنع بعض التحيز الواضح في تقاريرها.
مقارنة بالعديد من المصادر الأخرى في المنطقة، تعتبر تقارير العربية موضوعية نسبيا، لكن استخدام اللغة العاطفية واستخدام النقاط الاستراتيجية المقابلة يخلق تحيزًا لديه القدرة على التأثير على الجمهور لقبول نظرية على أخرى.
الجزيرة
الجزيرة، التي تأسست عام ١٩٩٦، هي شبكة إخبارية مملوكة للدولة القطرية باللغة العربية. إنها أكبر شبكة إخبارية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد اكتسبت تقديرًا للجودة الصحفية، واستضافتها لوجهات نظر متنوعة، وتغطيتها النقدية للقادة المستبدين في المنطقة منذ تأسيسها. لكن سلسلة من الجدل أثارت الشكوك حول موضوعية المنظمة، خاصة في ظل نفوذها الكبير في الشرق الأوسط. طوال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، استخدمت قناة الجزيرة بلاغة استراتيجية لوصف الحرب، مثل وصف الفلسطينيين الذين قُتلوا على يد الإسرائيليين بأنهم "شهداء" بينما لم تطلق نفس اللقب على الإسرائيليين الذين قُتلوا على يد الفلسطينيين. وواجهت الشبكة أيضًا انتقادات بدعوى دفع دعاية حماس أثناء الصراعات، مع حالات إنهاء المقابلات بسرعة والتي تختلف عن رواية معينة. وقد تم استخدام مثل هذه الممارسات في تغطية قناة الجزيرة للحرب الإسرائيلية الفلسطينية عام ٢٠٢٣. حُللت ثمانية مقالات لفهم كيفية وصف قناة الجزيرة للانفجار. امتدت تغطية الجزيرة للانفجار في المستشفى الأهلي لفترة أطول من أي مصدر إخباري آخر ناقشه هذا التحليل، حيث نشرت تقارير عن الحدث لأكثر من شهر.
مثل المصادر الأخرى، قدمت قناة الجزيرة أولاً الرواية القائلة بأن الغارة كانت إسرائيلية الأصل. ومع ذلك، عندما بدأت معظم المنظمات الإخبارية في مناقشة استنتاجات أخرى، واصلت قناة الجزيرة نقل رواية حماس. وفي جميع المقالات المتضمنة في هذا التحليل، تذكر الجزيرة بشكل موضوعي أن الهجوم كان إسرائيليًا في الأصل. على الرغم من أن بعض المقالات تتضمن مناقشات قصيرة حول رواية أن حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية هي المسؤولة، إلا أن هذه الادعاءات تنضم إليها روايات مضادة أو معلومات عن أعمال أخرى قامت بها القوات الإسرائيلية كوسيلة لتشويه الرواية.
استخدمت المنظمة أيضًا لغة إستراتيجية للتأثير على الجمهور. ووصفت الجزيرة في العديد من المقالات الأحداث بأنها "واحدة من أبشع المجازر" ارتكبتها القوات الإسرائيلية، ووصفت القتلى في الانفجار بـ"الشهداء" ومقتلهم بـ"الاستشهاد." قد استخدمت هذه اللغة من قبل الجزيرة طوال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. تتضمن اللغة العاطفية القوية الأخرى وصفًا للمشهد يقول إن "تحول جثامين بعض الشهداء لأشلاء مبعثرة وتفحم البعض الآخر" واتهامات بارتكاب جرائم حرب. تهدف هذه اللغة إلى إثارة استجابة عاطفية للجمهور، والتأثير على رأيه في الحدث.
وبالإضافة إلى استخدام اللغة الاستراتيجية، نشرت الجزيرة معلومات كاذبة عن الأحداث بجانب المعلومات الحقيقية. وصفت المقالات المبكرة الحدث بأنه غارة إسرائيلية "مستهدفة." وأضاف مقال لاحق أنه بحسب فيديو، استُهدف المستشفى بصواريخ إسرائيلية موجهة استهدفت ساحة وسط المستشفى. ومع ذلك، تُظهر هذه الفيديو صاروخًا واحدًا فقط من أصل غير معروف مع مسار ونمط تأثير لا يمثل هذا النوع من الصاروخ وتشير معظم التحليلات إلى أن الضربة كانت غير مقصودة. ثم، بعد نشر تقارير الاستخبارات الغربية والادعاءات بأن إسرائيل لم تكن مسؤولية عن الهجوم، ذكرت قناة الجزيرة أن المنظمة أجرت تحقيقها الخاص، وخلصت إلى أن إسرائيل "تعمدت" تضليل وسائل الإعلام والرأي العام وكانت مسؤولة بالكامل. وزعم المقال حول هذا التحقيق أن النتائج تتفق مع التحقيقات التي أجراها "خبراء عسكريون" آخرون لكن لم ذكر أسمائهم أو وصفهم. هذه الرواية تضلل الجمهور من خلال تشويه سمعة المحققين الموثوقين ووكالات الاستخبارات والجيش، وتقليل الثقة في المصادر الأخرى واستنتاجاتها.
على الرغم من أن الجزيرة لم تنشر وجهات النظر المتعارضة أو النتائج التي حُصلت عليها وكالات الاستخبارات، إلا أن المنظمة نشرت مقالاً نقلاً عن "خبير عسكري" روسي ادعى أن إسرائيل تضلل الجمهور عمدًا وتخفي المعلومات ومقالين نقلاً عن مصادر إخبارية غربية اتفقت تقاريرها مع ادعاءات حماس. لم يتم وصف "الخبير" الروسي، إيغور كوروتشينكو، في المقال، ولكن البحث المستقل يكشف أن كوروتشينكو صحفي روسي له الارتباط مع الحكومة الروسية ويساهم في شبكات دعاية روسية متعددة. بسبب تورطه في الدعاية الحكومية وارتباطه بالحكومة الروسية، تم فرض عقوبات على كوروتشينكو من قبل العديد من الدول والمؤسسات الدولية، بما في ذلك كندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي المقال، ادعى كوروتشينكو أن إسرائيل تخفي المعلومات المتعلقة بالتفجير ورفض الأدلة التي قدمتها البلاد ووصفها بأنها لا معنى لها. وادعى أيضًا أن الغرب يمنع إجراء تحقيق مناسب وسيمنع قول الحقيقة، متهمًا على الدول التي نشرت أيضًا روايات استخباراتية تتعارض مع مزاعم حماس. ومن خلال تضمين هذا الرأي ووصف كوروتشينكو بأنه مصدر موثوق، يمكن للجزيرة تشويه سمعة دول بأكملها بشكل فعال وإقناع القراء بعدم الاستماع إلى المقالات أو الأدلة الصادرة عن هذه المصادر. يبدو أن المقالتين الإخباريتين الغربيتين لها أهداف مماثلة.
ركز المقال الأول على تحليل نيويورك تايمز الذي ادعى أن الأدلة العامة تتعارض مع ادعاءات إسرائيل. وبعد حوالي أسبوعين من نشرت نيويورك تايمز المقال، نشر الكاتب نفسه مقالاً ثانياً حول التحقيق لتوفير المزيد من السياق والنظر في معلومات جديدة. نتج عن هذا المقال نتيجة أقل وضوحًا بسبب الأدلة التي تتعارض مع روايته الأولية. إلا أن الجزيرة لم تنشر تحديثًا لمقالها الأول ليظهر أن المعلومات تغيرت، واحتفظت بالمقال الذي عارض الرواية الإسرائيلية على موقعها. وحدث الشيء نفسه مع مقال نشرته لوموند بعد ذلك بيوم واحد.
إن إدراج مصادر الأخبار الغربية، فضلاً عن التحقيق الداخلي واستخدام كوروتشينكو كـ "خبير،" يزيد من موثوقية المعلومات الواردة في هذه المقالات وغيرها من مقالات الجزيرة. ولكن من خلال عدم تضمين معلومات تعبر عن التغيير في الروايات التي تقدمها المصادر الأخرى، تضلل الجزيرة وتؤثر على رأي جمهورها وتدفعهم إلى الاتفاق على رواية واحدة فقط. وباعتبارها منظمة إخبارية شعبية وقوية في المنطقة، فإن استخدام الجزيرة الاستراتيجي للبلاغة والسرد في مقالاتها لديه القدرة على التأثير بشكل كبير على الرأي العام والاستجابات الإقليمية للصراع.
الخاتمة
إن الفارق الكبير في البناء السردي لقناة الجزيرة واستخدام اللغة العاطفية وإدراج المصادر المتحيزة مقارنة بالشبكات الإقليمية الأخرى، مثل قناة العربية، أو الشبكات الدولية، مثل فرانس24، مثير للقلق نظرا لأهمية الشبكة في الشرق الأوسط. ومن خلال تقديم وجهة نظر واحدة فقط واستخدام تكتيكات المعلومات المشوهة، لا تؤثر قناة الجزيرة على فهم أحداث ١٧ أكتوبر فحسب، بل لديها أيضًا القدرة على تشكيل تصورات دائمة حول الحرب. بالنسبة للأحداث في الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي تساهم في الصراع بين الجماعات في جميع أنحاء العالم، فإن التحيز الإعلامي لديه القدرة على تصعيد التوترات القائمة وإشعال المزيد من العنف وعدم الاستقرار.
كما يمكن أن تساهم التقارير التي تقدمها شبكة إخبارية بارزة مثل الجزيرة في الاستقطاب والإضرار بالدبلوماسية من خلال نشر روايات كاذبة تخلق صراعات غير ضرورية. وتؤكد الفوارق في التغطية عبر هذه الشبكات الثلاث التحديات الأوسع التي تواجه المنطقة في محاولة التوصل إلى التفاهم المتبادل. وعلى الرغم من أن مصادر مثل فرانس24 توفر تقارير موضوعية، إلا أن تأثير وجهات النظر الغربية يمكن أن يحد من قدرة المنظمة على الوصول إلى جمهور واسع. بالنسبة لقناة العربية، فإن العقوبات تمنعها من الوصول إلى الكثيرين في الشرق الأوسط، كما أن ملكيتها من قبل دولة تمتلك أحد أدنى مستويات حرية الصحافة في العالم تحد من قدرتها على نشر الأخبار. مع استمرار الصراع ومع حدوث المزيد من الأحداث مثل انفجار المستشفى الأهلي، سيكون دور الصحافة متزايد الأهمية والقوة في تشكيل مسار الأحداث في المنطقة، والتحيز في وسائل الإعلام قد يعني أن المستقبل أقل استقرارًا.